في ذلك الوقت نقل تلفزيون «سي بي إس» أرقاما أوضحت أن كلينتون، مع نهاية السنة الثامنة له في البيت الأبيض، كان واحدا من رؤساء قلائل لم يذهبوا في إجازات طويلة، وكذلك الحال بالنسبة للرئيس كارتر.
عكسهما، كان الرئيس بوش الابن واحدا من رؤساء قلائل ذهبوا في إجازات طويلة، بمعدل ثلاثة شهور في السنة، قضى معظمها في مزرعة كروفورد (ولاية تكساس). لكن وصف بوش كثيرا من إجازاته بأنها كانت «إجازات عمل»، وحقيقة، قد قابل عدد كبيرا من رؤساء الدول هناك. نافس الأب الابن وتفوق عليه، قضى الرئيس بوش الأب متوسط أربعة شهور كل سنة في كامب ديفيد ومنزل العائلة في ولاية مين.
أما بالنسبة إلى كلينتون، وخلال ثماني سنوات، فقد قضى 152 يوما إجازة (متوسط عشرين يوما في السنة). تقريبا، يساوي هذا عدد أيام إجازة الرئيس بوش الابن خلال السنة الأولى له في البيت الأبيض. لكن نال كلينتون نصيبه من إجازات في أماكن فاخرة ويرتادها الأثرياء مثل «مارثاس فينيارد» التي سيذهب إليها أوباما. في سنة 1998، قبل سنتين من مغادرة البيت الأبيض، كان كلينتون وزوجته هيلاري ضيفين على الملياردير أنتوني فيشار وزوجته في فيلا «هيرون فارم» التي كانا يملكانها. في سنة 2003 توفي الملياردير وزوجته في حادث طائرة، وباع الورثة الفيلا، وهي نفس الفيلا التي سينزل فيها أوباما وعائلته.
لم تكن تلك أول زيارة له هناك، فبعد سنة من دخوله البيت الأبيض بدأ يزور المكان، لكن في ذلك الوقت انتقد مراقبون وصحافيون، مثل مجلة «تايم» ومثل ديك موريس، مستشاره خلال الحملة الانتخابية، الذي تخلى عنه وصار، حتى اليوم، واحدا من أهم وأقسى معارضيه ومعارضي زوجته.
قالت «تايم»: «لم يكن للرئيس كلينتون وزوجته هيلاري منزل في ولاية آركنسا منذ أن تخرجا من الجامعة وانتقلا إلى هناك حيث بدأ كلينتون مغامراته السياسية. أجّرا منازل لعدة سنوات، ثم عندما فاز كلينتون بمنصب حاكم الولاية سكنا في منزل الحاكم الرسمي، ثم عندما فاز كلينتون بمنصب رئيس الولايات المتحدة سكنا في البيت الأبيض». وأضافت المجلة: «لكن صار كلينتون مثل أيزنهاور، يلعب الغولف مع أصدقائه الأغنياء».
وقال موريس: «خلال أربع سنوات عملت خلالها مستشارا لكلينتون، كنا نعتبر إجازته جزءا من حملاته السياسية، لكن تغير كلينتون وصار يقضي إجازاته مع الأغنياء».
قبل دخوله البيت الأبيض لم يتوقف كلينتون عن الحملات الانتخابية، منذ أن أنهى الجامعة وعاد إلى ولاية آركنسا. لهذا، كان يخطط ليذهب في إجازات، مهما كان عدد أيامها قليلا، حيث يقدر على كسب أصوات. ومرة طلب من موريس، مستشاره، إجراء استفتاء ليعرف رأي الأميركيين في الأماكن التي يذهب إليها الرؤساء لقضاء إجازاتهم. ووصل موريس إلى الأتي:
أولا: لا يتضايق الأميركيون من الرئيس الذي يقضي إجازة طويلة (ربما مثل الرئيسين بوش الأب والابن)، وذلك لأنهم يرون منصب الرئاسة صعبا وخطيرا، ويستحق الذي يملؤه إجازة طويلة.
ثانيا: لا يهتم الأميركيون بالمكان الذي يقضي فيه الرئيس إجازته، لكنهم يفضلون الرئيس الذي يقضيها في أماكن شعبية (مثل بلاج في فلوريدا، وديزني ويرلد، وغراند كانيون). ولا يفضل الأميركيون الرئيس الذي يقضي إجازته في منازل الأغنياء. مثل مصيف «مارثاس فينيارد».
وتذكر موريس أن كلينتون، خلال تلك الحملات الانتخابية كان يقول: «إذا أراد مني الشعب أن أنام في غابة ويأكلني الناموس بالليل، سأنام في غابة».
ولاحظ مراقبون وصحافيون أن كلينتون صار يقضي أكثر إجازاته في منازل أصدقائه الأغنياء بعد سنة 1996. تلك كانت سنة إعادة انتخابه، وضمان بقائه في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى.
كان معنى ذلك أنه أعلن نهاية «الحملات الانتخابية الأبدية» التي بدأها عندما أنهى دراسته الجامعية وعاد إلى ولاية آركنسا.
في مذكراته أشار كلينتون إلى هذا الموضوع، وخصوصا إلى مصيف «مارثاس فينيارد»، ودافع عن نفسه قائلا إنه أولا: ليس المصيف للأثرياء بقدر ما هو للمثقفين (الأحسن حالا اقتصاديا)، مثل رؤساء تحرير الصحف، وكبار مذيعي التلفزيونات، وكبار أساتذة الجامعات. وثانيا: إنه ذهب إلى المصيف عندما كان طالبا في الجامعة وعضوا في لجنة عارضت التدخل العسكري الأميركي في فيتنام، «وهذا يعني أن المصيف ليس للأغنياء والحكام فقط». وقال ما معناه أن الإجازات التي قضاها هناك كانت «إجازات عمل»، مثل أول إجازة له هناك، بعد سنة في البيت الأبيض، وبعد مرور خمس وعشرين سنة تقريبا على زيارته للمكان عندما عارض حرب فيتنام. وقال إنه نزل في منزل كان يملكه روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع أيام حرب فيتنام نفسها (لكنه في الكتاب نسي، أو ربما تعمد ألا يربط بين هذه الزيارة وتلك).
خلال تلك الإجازة، قابل جاكلين كنيدي وإدوارد كنيدي، وصار ـ حسب تقليعات أميركية ـ واحدا من شبه الارستقراطيين، لكنه دافع عن نفسه وقال: «ظل البيت الأبيض يطاردني. مواضيع (نافتا) (اتفاقية التجارة لأميركا الشمالية)، ومشروع هيلاري للتأمين الصحي (مثل مشروع الرئيس أوباما الحالي، لكنه فشل)، بالإضافة إلى اتفاقية أوسلو». وكان يقصد متابعته لاتفاقية أوسلو بين الإسرائيليين والفلسطينيين، التي وقعت بعد أيام قليلة من إجازته. وهكذا شغلته القضية الفلسطينية في أول إجازة له في البيت الأبيض في مصيف «مارثا فينيارد» الخاص. وشغلته في آخر إجازة له في مصيف «كامب ديفيد» الحكومي.
والآن تستعد «مارثاس فينيارد»، التي اعتادت قدوم الأغنياء والمشاهير، لأول إجازة رئاسية رسمية خلال ثمانية أعوام. ويضع مطعم «شاركز كانتينا» على قائمة طعامه «آيس كريم أوباما» و«ساندويتش باراك»، ومن المقرر أن تعلن «ماد مارثا للآيس كريم» عن نكهة جديدة احتفاء بهذه المناسبة.